كتب: عمر هواش
للمرة الأولى تعلن طهران رسميا وبالفم الملآن وبشكل واضح لا لبس فيه، أنها ضربت هدفا إسرائيليا، وهذا تطور من شأنه أن ينقل حرب الظل بين إيران وإسرائيل إلى حيز آخر، لكنه لم يصل بعد إلى الحيز المباشر.
خاضت إيران وإسرائيل حربا غير معلنة في المنطقة الرمادية خلال العقود الماضية، اشتدت خلال العامين الأخيرين، بدأت عبر تأسيس حزب الله اللبناني كقوة ضاربة في جنوب لبنان، إلى دعم فصائل فلسطينية تقاوم الاحتلال الإسرائيلي، ثم تطور الأمر إلى استهداف منشآت نووية إيرانية واغتيال علماء نوويين بأساليب مختلفة. دائما كانت تضع إيرانُ إسرائيلَ في قفص الاتهام من دون أن تتبنى الأخيرة أيّا من تلك العمليات، ذلك عدا عن الاستهداف على الأراضي السورية، فضلا عن الحرب السيبرانية بين الطرفين، وحرب السفن والاستهداف المتبادل لسفن إيرانية وأخرى ذات صلة بإسرائيل، من دون أن يعلن أي طرف مسؤوليته.
لكن هذه المرة تنتقل هذه الحرب إلى حيز آخر، فالحرس الثوري الإيراني أعلن استهداف ما سماه بمقر إسرائيلي للتجسس والتآمر على بلاده. وتقول بعض التسريبات في الإعلام المقرب من طهران؛ إن تلك الضربة كانت ردا على استهداف طائرات إسرائيلية منشأة لصناعة الطائرات المسيرة في مدينة كرمانشاه غرب إيران الشهر الماضي، انطلاقا من أربيل.
الهجوم الإيراني على “المقر الإسرائيلي” في أربيل بحسب رواية الحرس الثوري؛ عدا عن أنه يشكل حقبة جديدة من العمليات المتبادلة، فهو يحمل العديد من الرسائل.
تضرب إيران في إقليم كردستان العراق، لكنها تريد لدول في الجوار أن تسمع صدى هذه الضربات، فطهران لطالما انتقدت تطبيع جارتيها (أي الإمارات والبحرين) علاقاتهما مع إسرائيل، واليوم تريد أن تضيف أن هذه الدول قد تكون ساحة مواجهة إذا أصبحت يوما ما منطلقا لعمليات تستهدف الأمن القومي الإيراني، ولا يمكننا هنا أن نغفل التلميحات الإعلامية الإيرانية سابقا بوجود مركز تجسس للموساد الإسرائيلي في دبي.
لیست المرة الأولى التي تضرب فيها إيران بصواريخها خارج حدودها، فسابقا استهدفت تنظيم الدولة في سوريا؛ ردا على هجوم طال عرضا عسكريا بمدينة الأهواز جنوب إيران، والاستخدام الأشهر كان ضد قاعدة عين الأسد في العراق كرد على اغتيال القائد السابق في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني، هذه المرة أراد الإيرانيون التأكيد أن هذه المنظومة جزء من أدوات القوة التي يمكنهم استخدامها عندما تكون هناك حاجة للدفاع عن الأمن القومي، وفي ذلك رسالة أخرى على طاولة المفاوضات النووية التي انفضت إلى حين.
لا تخفي إيران مشكلاتها الاقتصادية في ظل العقوبات الأمريكية عليها، وليس سرا القول إنها لم تعد تثق على طاولة التفاوض النووي بأي من الأطراف الغربية، سواء في أوروبا أو في أمريكا، لذا تبدو اليوم أكثر تشددا في ظل هيمنة المحافظين على مفاصل القرار، وهذا قد ينعكس على الجبهات الخارجية التي لإيران دور فيها، ولطالما كانت المعادلة خلال السنوات الماضية أن التراجع في الملف النووي الإيراني على مستوى المفاوضات يعني التصعيد في المنطقة، ويبدو أن العراق لا يزال ساحة لذلك.
إن انتقمت إيران لاستهداف منشأة طائرات مسيرة في كرمانشاه عبر ضرب مركز إسرائيلي بأربيل، فالمنطقة قد تكون على موعد ضربة أخرى خلال الأيام أو الأسابيع أو ربما الشهور المقبلة، فالحرس الثوري توعد بالثأر لمقتل اثنين من مقاتليه في سوريا، خلال غارة إسرائيلية على ضواحي دمشق الأسبوع الماضي، وإن مكان وطبيعة وحجم الرد الإيراني إن تم، قد يحدد مدى انتقال الحرب بين البلدين إلى المساحة العلنية والمباشرة، وهي الأخطر بكل تأكيد، وبحاجة إلى الكثير من الحسابات لدى صاحب القرار بطهران.
المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي “الرأي الآخر”