شدوى الصلاح
منذ أعادت الحكومة المغربية علاقاتها الدبلوماسية رسمياً مع الاحتلال الإسرائيلي بموجب رغبة الولايات المتحدة الأميركية في ديسمبر/كانون الأول 2020، وهي تسارع الخطى نحو مزيد من التطبيع للعلاقات، وتبادل الطرفين السفراء وشكلا مجموعات عمل لتعزيز التعاون، ووقعان اتفاقات ثنائية متتابعة، وغيرها من الخطوات الأخرى على مختلف الأصعدة.
لكن ما كان مستهجناً أكثر من التطبيع، هو اتخاذ الحكومة المغربية خطوات قمعية للداخل المغربي، واستهداف التحركات الاحتجاجية الرافضة للتطبيع، وكان آخرها التدخل الأمني العنيف في مواجهة وقفة احتجاجية سلمية بالرباط نظمت لإعلان التضامن مع الشعب الفلسطيني ومناهضة التطبيع.
تلك التطورات المتسارعة جاء بالتوازي معها، توقيع اتفاقات تحمل أبعاد أكثر خطورة تحت مزاعم مقتضيات الإعلان المشترك بين المغرب والكيان الإسرائيلي، وهي الإعلان عن توقيع اتفاقيتين ثنائيتين مع مؤسسات مغربية لزيادة التعاون في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد والتعليم، رغم التحذيرات المتصاعدة من اختراق قطاع التعليم والعبث بالهوية والقيم المجتمعية.
كل تلك الأحداث وغيرها دفعت “الرأي الآخر” لمحاورة الأكاديمي المغربي واستاذ العلوم السياسية الدكتور محمد الحساني، لتفسير الموقف المغربي والوقوف على مستجدات الأحداث.
إليكم نص الحوار
** بداية، كيف ترى هرولة الحكومة المغربية نحو تطبيع علاقتها مع الاحتلال الإسرائيلي والمسارعة في توقيع اتفاقيات تعاون مشترك معه؟
في الحقيقة هذه المفارقات تناقض ادعاءات وزراء الحكومة المغربية، بأن الأمر ليس تطبيعاً للعلاقات وأنه متعلق فقط بإعادة فتح مكاتب الاتصال كما كان قبل عشرين عاماً، لكن ما يبدو أن هذه الهرولة والسرعة في توقيع الاتفاقيات تؤكد أن التطبيع سار على قدم وساق .
** ولماذا تسارع الحكومة المغربية الخطى نحو إسرائيل؟
السبب الرئيس وراءها هو البقاء على الدعم الصهيوني لملف الصحراء المغربية، وهي مقايضة مرفوضة لدي المغاربة بشكل كبير، لأن الصحراء مغربية، وبذل المغاربة من أجل ذلك دماء أبائهم وأبنائهم ولسنا في حاجة إلى اعتراف الكيان الصهيوني لان اعتراف كيان مغتصب تسئ إلى قضيتنا .
** وما تقيمك للاتفاقيات الموقعة بين المغرب وإسرائيل؟
أخطر الاتفاقيات المنعقدة مع الاحتلال الإسرائيلي على الإطلاق المتعلقة بقطاع التربية والتعليم، وتبادل زيارات الوفود الطلابية بين الطرفين، وإتاحة متابعة الدراسة للطلبة المغاربة بالأرض المغتصبة وإدراج الثقافة اليهودية ضمن المقررات الدراسية للطلاب المغاربة، بالإضافة إلى فتح المجال الجوي المغربي لدرجة أنها ستصبح الرحلات يومية بين المغرب وبين الأرض المحتلة عبر الخطوط الصهيونية .
** وكيف ترى الاحتفال المرتقب مساء اليوم الأحد بما يسمى عيد ميمونة؟
لا أرى أن هذا الأمر بالنسبة للمغاربة سيكون سببا في استفزاز المغاربة، لأنهم يميزون جيداً بين اليهودية والصهيونية .
اليهود المغاربة عاشوا بين الشعب المغربي بكل تنوعاته دون أدنى نوع من التمييز أو الاضطهاد أو أي ممارسة فيها حيف أو تمييز، لذلك فمثل هذه المناسبات لن تستفز ولم تستفز المغاربة.
** إذا ما الذي يستفز المغاربة؟
ما يستفزهم هو أن تصبح هذه المناسبة وسيلة للدعاية إلى التطبيع، هنا سيتحول النظر إلى هذه المناسبات وستصبح محل تنديد من طرف كل الهيئات المناهضة للتطبيع، أما إن بقي الأمر كما كان عليه سابقا فالمغاربة ليس لديهم أي إشكال مع المناسبات التي تخص أي فئة .
هل سيستفيد المغرب من التطبيع؟
هذا هو السراب الذي يتم تسويقه من طرف الكيان الصهيوني لكل مطبع، وعود بعشرات المشاريع الاستثمارية والتنمية الاقتصادية، لم يستفاد منها أياً من الدول المطبعة، فمصر أمامنا والأردن كذلك، وكلنا يعرف الوضع الاقتصادي المصري والوضع الأردني بعد سنوات من التطبيع.
قلناها ونكررها الكيان الصهيوني يأخذ ولا يعطي شئ، والتعويل على وعوده الكاذبة لن يجني منه المغرب إلا الشوك على جميع الأصعدة.
أي سرطان دخل إلى الجسم لابد وأن ينهكه ويسبب له أعراضا جانبية متعددة حتى لو شفي الجسم منه، كذلك هو التطبيع مع الكيان الصهيوني.
** هل باعت الحكومة المغربية القضية الفلسطينية؟
الحقيقة أننا أمام تحول جذري من حيث موقع القضية الفلسطينية لا يمكن تلميعه بأشكال من التصريحات المحتشمة أو بذكر أشكال الدعم الاجتماعي التي يؤكد المغرب أنه يقوم بها تجاه الفلسطينيين .
الشعب الفلسطيني لا يبحث عن هبات وصدقات، الشعب الفلسطيني يبحث عن حقه الذي اغتصبه الصهاينة، من أرض وعرض وحياة، يريد حقه في امتلاك أرضه وطرد المحتل الغاصب، كل هذه الحقوق تم الضرب بها عرض الحائط يوم التوقيع المشؤوم على اتفاقية التطبيع .
لا شك أن خطيئة التطبيع المغربي مع الكيان الصهيوني تعتبر نكوصا بما تحمله الكلمة من معنى لغوي أو بعد سياسي عن تبني القضية الفلسطينية، ويستحيل الآن أن تدعي الحكومة المغربية أن القضية الفلسطينية قضية وطنية بالنسبة لها، فواقع الحال الفعلي والميداني يؤكد بطلان هذا الادعاء الذي كان مرفوعا كشعار سابقا .
** بما تفسر ما وقع يوم 30 مارس/آذار الماضي/ يوم ذكرى الأرض بمدينة الرباط والدار البيضاء وغيرها من المدن المغربية من قمع ومنع للوقفات التضامنية التي دعت إليها الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع؟
كل ذلك مؤشرات يؤكد أن التطبيع أصبح هو سيد الموقف لدى الدولة في المغرب وأن التضامن مع فلسطين أو حتى رفع علم فلسطين الذي تم تمزيقه على يد أعوان السلطة بالوقفة التضامنية التي كان مزمع تنظيمها بالرباط العاصمة، يعتبر من الماضي، أما اليوم فلا شئ يعلو فوق صوت التطبيع والمطبعين .