شدوى الصلاح
في منتصف ليل الأحد 4 أبريل/نيسان 2021، أصدر 103 من الضباط المتقاعدين برتية أميرال، بياناً عارضوا فيه مشروع قناة إسطنبول المائية الذي يربط بحر مرمرة بالبحر الأسود، بموازاة مضيق البوسفور، بسعة مرور يومية تصل إلى 185 سفينة.
ورأوا في المشروع الذي طرحته الحكومة وتؤيده الرئاسة، مساساً بـ”اتفاقية مونترو” الخاصة بتنظيم حركة السفن عبر المضائق التركية ويمثل تهديداً للملاحة البحرية، معلنين رفضهم طرح الاتفاقية للنقاش، واعتبروها الوثيقة الأساسية لأمن الدول المشاطئة للبحر الأسود.
لكن بيان الضباط المتقاعدين حمل عبارات اعتبرتها الجهات الحكومية الرسمية محاولة انقلابية وتهديداً للديمقراطية وتلويحاً باستخدام القوات المسلحة كوسيلة لتحقيق “الغايات والأطماع والآمال الشخصية لمن ليس لديهم أي مهمة أو مسؤولية.
وقوبل البيان برد فعل قوي من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وصفه بأنه جزء من “حملة قـذرة” دعمها بعض السياسيين، وتعهد باتخاذ مواقف صارم ضد كل ما يهدد الديمقراطية، موضحاً أن “جميع الهجمات التي استهدفت الديمقراطية في تركيا جاءت عقب مثل هذه البيانات”.
ولتحليل الأحداث والوقوف على تبعاتها والتعمق أكثر حول الأطراف المتورطة في الأحداث ومن يقف خلف الجنرالات، أجرت “الرأي الآخر” حواراً مع الباحث السياسي المختص بالشأن التركي الدكتور سعيد الحاج.
وإليكم نص الحوار
** بداية كيف تقرأ بيان الجنرالات المتقاعدين؟
البيان فيه تدخل واضح وصريح جدًا وسافر إن جاز التعبير في الحياة السياسية التركية لأنه من جنرالات عسكريين متقاعدين يتحدى وينتقد قرارات تنفيذية لحكومة ورئاسة منتخبة بل وهناك صياغات تهديد مبطنة.
** لماذا أثار البيان قلق الحكومة التركية؟
المؤشر الأساسي الذي آثار الانتقادات والقلق في تركيا هي الصياغة الخاصة بالبيان لأنها تضمنت مفردات وصيغ كانت تستخدم سابقًا في تسويق الانقلابات العسكرية والتهديد بها، وفكرة أنهم على خطى مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك وحماة العلمانية ومبادئ الجمهورية وما إلى ذلك.
** ألم يكن من الممكن التعامل معه على أنه حركة معارضة أو ما شابه لكن السلطة تعاملت مع الأمر بردة فعل قوية واعتبرته محاولة انقلاب؟
لأن هناك توجس أن يكون هذا تلميح لمحاولة التدخل المباشر مستقبلًا في الحياة السياسة التركية من خلال انقلاب عسكري مباشر أو غير مباشر.
أيضا البيان له رمزية حيث أن عدد الجنرالات الموقعين عليه هو 103 وهو نفسه عدد الأيام التي تفصلنا عن ذكرى الانقلاب الفاشل في تركيا في 15 تموز/يوليو 2016.
وفي المحصلة الحكومة والرئاسة وحزب العدالة والتنمية وحليفي الحركة القومية رأوا فيه تجاوزًا وضغطًا على الحكومة وتهديد ربما بانقلاب عسكري ولذلك كانت ردود الأفعال حادة.
** هل كون أصحاب البيان أصحاب خلفية عسكرية كان وراء ردة الفعل القوية تجاهه؟
بالطبع كونهم 103 أميرال متقاعد ينتمون إلى المؤسسة العسكرية يعتبر مؤشر قلق أيضا للحكومة، والبعض ربط الأمر بأن البيان جاء في ظل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الذي تحدث خلال حملته الانتخابية عن دعم الولايات المتحدة الأميركية للمعارضة لإسقاط أردوغان والتخلص منه.
** هل توقيت إصدار البيان له دلالات؟
البعض ربط توقيت البيان بفكرة التوتر والأزمة الأخيرة بين روسيا وحلف الناتو في أوكرانيا وأن تطور هذا التوتر أتاح نزاع عسكري حول موضوع المضائق، حيث أنه أمر حيوي مهم فهل سيكون موقف تركيا على الحياد أم سيكون إلى جانب أحد الأطراف.
** هل هذا فقد ما أعاد الحديث عن اتفاقية مونترو إلى واجهة؟
اتفاقية مونترو للمضائق غير مطروحة للنقاش في تركيا، حيث كان هناك لقاء صحفي مع رئيس البرلمان ذكر فيه اتفاقية مونترو ولم يشير إلى أن الرئيس سيخرج منها وكان السؤال الموجه له “هل يحق للرئيس وفقًا للدستور أن يخرج من أي اتفاق دولي كما خرج من اتفاقية إسطنبول المتعلقة بحماية المرأة من العنف؟” وكان رده “نعم” فقيل له “حتى اتفاقية مونترو؟” فقال “نعم، من حيث الصلاحية فإن الدستور يعطيه تلك الصلاحية ولكن ليس بالضرورة أنه سيخرج حيث أن هذا يقاس بالظروف والمنفعة وما إلى ذلك”.
وبعض الأطراف المعارضة تشبثت بأن الدستور يعطي الرئيس تلك الصلاحية أن يخرج من اتفاقية مونترو وربطوا ذلك بقناة إسطنبول وأن بعض أطراف المؤسسة العسكرية وتحديدًا القوات البحرية ترفض ذلك وتقول أن ذلك يضعف تركيا أمنيًا وأنها خطر على الأمن التركي.
** برأيك هل يمكن الجزم بأن ما حدث محاولة انقلاب وليس مجرد بيان حاد اللهجة من حركة معارضة؟
التقييم بطبيعة الحال أن هذا ليس انقلابًا عسكريًا لأن من يقوم بانقلاب عسكري يقوم به مباشرةً لا يقوم بالتلويح له، هو في نهاية المطاف تدخل من جنرالات عسكريين وإن كانوا متقاعدين، في الحياة السياسية التركية وفي القرارات الحكومية، وتلويح بالضغط وبإمكانية القيام بشيء معين.
أيضا اليوم لا أري انقلاب عسكري وشيك في تركيا لكن ينبغي أن نعيد التذكير بأن المحاولة الانقلابية التي فشلت في 2016 ضيقت هامش المناورة أمام أي انقلاب عسكري قادم ورفعت تكلفته وصعبت الأمر عليه ولكنها لم تنهيه تمامًا، حيث أن تركيا دولة تاريخها يعج بالانقلابات العسكرية، وربما الأخير فشل ولكن هناك تدخلات كثيرة من المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية التركية.
** وهل تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية جائز سياسياً في تركيا؟
وفق معظم التعريفات في العلوم السياسية أي تدخل للمؤسسة العسكرية في الحياة السياسية وإن كان حتى ضغط على الحكومة يعتبر انقلابًا عسكريًا خصوصًا إذا أدى إلى تغير في السياسات والأشخاص.
** وكيف ترى هذا التصرف؟
هذا تصرف مستفز وغير مقبول دستوريًا، ومنبع القلق الأساسي هو أنهم نعم متقاعدون ولكن هل أصدروا هذا البيان من تلقاء أنفسهم أم لهم علاقات أو أطراف داخل المؤسسة العسكرية، فبالتالي هل الرسالة قدمت فقط من خلال أطراف متقاعدين أم من قبل أطراف أخرى داخل المؤسسة العسكرية؟.
** عقب الرئيس أردوغان على بيان الجنرالات وأدانه حزب التنمية والعدالة وفتحت النيابة العامة تحقيقا في الأمر .. ألا ترى مبالغة في رد الفعل تجاه البيان؟
اعتقد أن ردة الفعل من حزب العدالة والتنمية والحكومة والرئاسة مفهوم إلى حد كبير جدًا لأن هناك حذر من هذا النوع وأنه إذا سمح لهذا المجال ربما يمكن أن يطمع بخطوات أعلى سقفًا من ذلك، فكانت ردة الفعل طبيعي أن تكون سريعة وحادة ومتحدية نوعًا ما، إضافة إلى ذلك أن مع سرعة المسار السياسي سيكون المسار القضائي أيضًا سريع وسيكون هناك تحقيق للمدعي العام الجمهوري في هذا البيان، والكشف عن ما إذا كان هناك فعلا صيغة تهديد بانقلاب عسكري وانتهاك للدستور.
** ما توقعات لمسار الأحداث في الفترة القادمة؟
أعتقد أنه خلال الأيام والأسابيع القادمة سيكون هناك مسار أخذ ورد في الحياة السياسية الداخلية وكواليس السياسة والإعلام في تركيا خاصةً وأنه حتى اللحظة لم الحظ تعليقات واضحة من أحزاب المعارضة التركية.
** من الجهات الرافضة لبيان الجنرالات؟ ولماذا غاب رد فعل أحزاب المعارضة؟
المواقف الناقدة والرافضة ظهرت فقط من العدالة والتنمية والحركة القومية وربما حزب الاتحاد الكبير وهو حزب قومي محافظ قريب من العدالة والتنمية والحركة القومية والبعض يعتبره من التحالف الحاكم، لكن أحزاب المعارضة موجودة في الطرف الأخر لم تصدر منهم أي مواقف واضحة في رفض هذا البيان وسيكون هذا مصدر جدل كبير في الداخل التركي.
** وزير الداخلية سليمان صويلو ألمح إلى دور حزب الشعب الجمهوري في الانقلاب هل هذا اتهام مباشر؟
نعم وهو تصريح متناغم مع تصريحات الرئيس أردوغان التي أشار فيها ضمنًا وعلنًا إلى حزب الشعب الجمهوري، وأن ردة فعله لم ترقى لمستوى الحدث.
وقول صويلو إن عدد من الجنرالات المتقاعدين الموقعين لهم علاقة بحزب الشعب الجمهوري هو اتهام غير رسمي وضمني من الحكومة للحزب بأنه سياسيًا يدعم هذه التوجهات ولا يقف موقفًا حقيقيًا إلى جانب الديموقراطية والإرادة السياسية المنتخبة في مواجهة الانقلابات بل ويحاول الانقلاب عليها.