فهد الغويدي _ الرأي الآخر
منذ عام أطلق عالم الآثار والوزير السابق زاهي حواس تصريحاته التي تحدث فيها عن الهوية المصرية الخاصة ، كونها لا افريقية ولا عربية بل هوية فرعونية خاصة .
تصريحات حواس ليست الاولى ففي عام 2019 قال نفس الكلام وقبلها بعام قال الكلام نفسه ، ولا اظنها ستكون الأخيرة فهي تصريحات متكررة بشكل سنوي على ما يبدو .
هذه الادعاءات حول الهوية المصرية ليست جديدة، والنقاش فيها يمكن أن يأخذ طابع علمي ونقاش اكاديمي تُطرح فيه الآراء بصورة متجردة .
لكن الاشكال والجريمة الثقافية أن تطفو هذه الأفكار ويتم الترويج لها من حين لحين بدافع سياسي ولتحقيق مصلحة سياسية !!
تصريحات حواس سبقه اليها توفيق الحكيم اواخر السبعينات عندما حاول تبرير التطبيع مع اسرائيل فاستدعى المخزون الفرعوني وقال ان مصر فرعونية وليست عربية وبناء عليه فهي تتخذ موقفا محايدا من القضية الفلسطينية .
مع ان مصر لم تتغير وحضارتها الفرعونية لم تمحى من التاريخ فترة عبد الناصر !!
اذا فإن الإتكاء على الارث الفرعوني ومحاولة طمس الهوية العربية والاسلامية في تشكيل هوية مصر الحديثة يعتمد في المقام الأول على مصلحة السلطة السياسية ومن هذا المنطلق يمكن أن نفهم الاحتفال التاريخي والغير مسبوق بل والغير مبرر حتى الذي أقيم من أجل نقل المومياوات، فهو ليس مهرجانا وليس احتفالا بقدر ماهو احتفاء بهذا الموروث الذي يتم استدعاؤه عند الطلب، والفارق في هذه المرة ليس حجم الاحتفالية والدعاية والأموال التي انفقت فحسب وانما استغلال هذا المشهد في اشغال الناس عن مآسيهم ومشاكلهم الحقيقية خصوصا بعد الاسبوع الكارثي الذي شهدته البلاد، ليس فقط عبر المشهد الاحتفالي وانما عبر تذكير الشعب بارثه وموروثه المبجل !!
لا تجد سكن، مناسب او غير مناسب ؟
لا تقلق انت تمتلك حضارة هي الأعظم في التاريخ .
السكن الذي تعيش فيه متصدع ويوشك على الانهيار أو انهار فعلا على رؤوس ساكنيه ؟
لا تقلق لأن مصر جاءت قبل التاريخ .
وعلى هذا المنوال ينسج النظام ويراهن !!
لنفس الدافع والسبب نجد كتب التاريخ في كل الوطن العربي -تقريبا- تزخر بالأمجاد التليدة واحداث الماضي المليئة بالانتصارات لمحاولة سد الفراغ الذي تركته هزيمة الحاضر على كل المستويات، ونرى هذه الانجازات الماضية والتغني بها لا يكون حبيس كتب التاريخ وحدها بل متصدر وسائل الاعلام والمحاضرات ويشغل الفرد قبل الجماعة فهذه الظاهرة في نهاية المطاف سلوك فردي انساني قبل ان يكون سلوكا جماعيا موجها من قبل السلطة السياسية .
في الحالة المصرية الأمر مختلف قليلا لأن المنجز الحضاري العربي مرتبط أساسا بالاسلام والمنجز الحضاري الاسلامي فيه نزعه للتحرر من الواقع المؤلم ومحاولة لتغييرة بل ان النصوص الاسلامية تتجه دوما نحو تغيير الواقع عبر تغييرة في حالة الهزيمة او القفز عليه والتفوق عليه في حالة الركود وفيه كذلك صدام قوي مع العلمانية، لذلك وجد النظام في مصر ضالته في العودة الى الوراء أكثر ( الحضارة الفرعونية ) سيما وان لها وجود مادي قوي متمثل في الكم الهائل والغير محصور من الآثار .
وعلى حد سواء تجد العلمانية ضالتها في الحضارة الفرعونية حتى وان كانت قائمة في الأساس على معتقدات دينية لكنها مندثره ولا تقدم بديلا منافسا لها .
متحف الحضارة والمتحف الكبير كلف انشاؤها أكثر من 17 مليار جنيه مصري وهو معدل انفاق غير مسبوق كما صرح بذلك وزير السياحة والآثار المصري خالد العناني، في حين لا تزال كلفة الاحتفالية الضخمة مجهولة الى الآن، في نفس الوقت الذي تنفق فيه هذه الأموال يكون هناك من يموت جوعا او قهرا !!
من الجيد أن نحتفل ونحتفي بتاريخنا وموروثنا لكن من المعيب حقا أن يكون الدافع هو البحث عن عزاء في حاضرنا ومستقبلنا، والمعيب أكثر أن يكون هذا الاستدعاء بحسب الطلب وعلى حساب هويتنا الحقيقية متمثلة في الاسلام وتعاليمه التي توجب العمل والسعي نحو التميز والتفوق فتقلب الموازين ويكون الزي الفرعوني والتعاليم الفرعونية القائمة على الطبقية والاستعباد اصالة وحضارة والزي الاسلامي والتعاليم الاسلامية القائمة على المساواة ونبذ العنصرية تخلف ورجعيه !
هنا تكون الهزيمة مضاعفة وأكثر مرارة وتجاوزها يصبح أكثر صعوبة.