شدوى الصلاح
بعد أكثر من 7 سنوات من العداء بين مصر وتركيا بعدما رفضت الأخيرة الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي والإخوان المسلمين بانقلاب عسكري منتصف 2013، فتح باب من التفاهمات بين البلدين يؤشر إلى ذهابهما نحو تطبيع العلاقات وفقا لمصالح جيوسياسية.
ومن المرتقب أن يزور وفداً تركياً القاهرة مطلع مايو/أيار المقبل، مكوناً من نواب الوزراء، تلبية لدعوة من الجانب المصري بحسب ما أعلنه وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، نهاية الأسبوع الماضي خلال مشاركته في برنامج تلفزيوني على قناة NTV التركية.
وفي ظل التقارب الرسمي المرتقب بين أنقرة والقاهرة يبقى ملف الإخوان المسلمين معلقاً، وتتباين التحليلات والتوقعات بشان مصيرهم، وهل سيتم تسليمهم؟ وإلى أين ستنتهي المفاوضات وهل من شروط مفروضة لخروج العلاقات من العداء إلى الشراكة وربما التحالف.
الفريق الداعم لتركيا يرى أن مصر تعول على نفوذ تركيا في إثيوبيا وليبيا وشراء المسيرات العسكرية مما يدفعها للتقارب، فيما يرى الفريق المؤيد للنظام المصري أن تركيا راغبة في دعم مصر لجبهتها في شرق المتوسط واتفاقياتها مما يدفعها للرضوخ لمطالب مصر مرغماً.
وبين هذا وذاك تتعدد الرؤى وتختلف التحليلات، مما دفع “الرأي الآخر” لمحاورة الخبير بالعلاقات الدولية والمختص بالشأن العربي التركي الدكتور محمد العادل، لحسم الجدل والوقوف على مسار التطورات ورؤيته لمصير الإخوان المسلمين والحديث عن انعكاسات تحسن العلاقات بين الجانبين على المنطقة.
إليكم نص الحوار
** بداية، كيف ترى التقارب التركي المصري بعد سنوات من القطيعة؟
هناك ظروف دولية وإقليمية فرضت خطوات التقارب الأولى، مثل التحولات الأميركية وقدوم الرئيس الأميركي جو بايدن، والتغير الكبير بين رأيه بسياسات الشرق الأوسط وسابقه الرئيس دونالد ترامب، بالإضافة إلى تحولات إيران في المنطقة، وقضايا السودان، والخلافات بين مصر وإثيوبيا، إلى جانب الملف الليبي، والترقب في الملف السوري، هذه الملفات أصلا مزمنة وأضيف إليها التحديات الاقتصادية والأمنية، كل هذا بالإضافة إلى وباء كورونا العالمي.
** وما أهمية ذلك التقارب؟
تركيا ومصر دولتان مهمتان في المنطقة، وأستطيع أن أقول أنهما دولتين محوريتين في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى إيران والتي تعتبر في محور أخر، وأرى أن التقارب بين تركيا ومصر، ضرورة استراتيجية تقضيها المرحلة الحرجة التي تعيشها المنطقة عموما، والتحديات الكبيرة التي تعيشها شعوب المنطقة سياسيا واقتصاديا وأمنيا.
** برأيك هل سيؤثر هذا التقارب على ملف الإخوان المسلمين؟
الملفات المطروحة في التقارب التركي المصري أكبر بكثير من موضوع الإخوان، وقناعتي أن الدبلوماسية المصرية وأيضا التركية، هي دبلوماسية عريقة جدا وتستطيع أن تحدد الأوليات وفق الأمن القومي لكل طرف، ووفق أيضا التحديات التي تعيشها المنطقة.
وبالتالي من رأيي كخبير بالعلاقات الدولية، حيث أن هناك رغبة من الطرفين بتحسين العلاقات وتطبيعها، والتقدم بهذه العلاقات في إطار بناء شراكة حقيقية على المستويات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، أرى أنه لا يجب الوقوف كثيرا في هذه المرحلة عند ملف الإخوان فهو الآن ملف هامشي وسيحل بطبيعته حينما يسير القطار بشكل طبيعي.
وما أشار إليه وزير الخارجية عن ملف الإخوان، هو نوع من التأكيد عن رغبة تركيا في إتمام التقارب وأيضا تؤكد المعلومات في أنقرة أن هناك تجاوب مصري جيد تقابله أنقرة بالترحيب، وتريد أن تدفعه إلى الأمام.
** لكن المقصد من السؤال هو هل سيكون الإخوان كبش فداء لإتمام التقارب التركي المصري ويتم تسلميهم للنظام المصري؟
لا يفهم أن ملف الإخوان يجب أن يكون الصفقة، لأن تركيا مما نفهمه من العقل السياسي لا يمكن بأي حال أن يسلم المعارضة المصرية إلى النظام المصري ولا يمكن أن يكون هذا في إطار صفقة إطلاقا.
الأمر الممكن هو أن يطلب منهم تحديد نشاطهم ليس منعه بشكل كامل، ولكن ربما الحد من نشاط المؤسسات الإخوانية ومنها القنوات الفضائية لكن لا يصل ذلك إلى عملية التسليم، لأن تركيا دولة ديمقراطية ومؤسسات وهذا ليس قرار سياسي إنما قرار قضائي معقد جدا في تركيا.
ألا يمكن للرئيس التركي القيام به دون الرجوع للقضاء؟
لو قام رجب طيب أردوغان بهذا الأمر سيخسر شعبيته بشكل كبير جدا، لكن الأسماء التي تشكل حرجا ربما يتطلب منها المغادرة إلى بلد أخر يرتاحون فيه، حتى لا يلحق الضرر بعملية تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر، لكن قناعتي الشخصية أنه لن يتم التسليم، ولا يجب على مصر أن تمني نفسها بذلك، بل لا يجب أن تطالب بذلك لأنه كما قولت لا يجب أن يشكل ملف الإخوان عائقا أمام تحسين العلاقات.
** ماذا أهمية تطبيع العلاقات التركية المصرية؟
التناغم السياسي بين مصر وتركيا يجب أن يتجه في الملفات الكبرى، والتعاون السياسي والاستراتيجي في ليبيا والملف السوري وأيضا ملف المصالحة في لبنان وملف اليمن، والتحول الكبير في منطقة الخليج، ويبدو أنها مقبلة على مرحلة جديدة، لأن تركيا تريد لمصر أن تكون طرفا دولياً مهماً ولا تبتعد عن ذلك حتى لا تفرض القوى الكبرى أجندتها على المنطقة.
وأيضا الملف الإفريقي والقضايا الخطيرة في شرق وغرب إفريقيا مثل ملف سد النهضة وتداعياته الخطيرة، وأهم شئ في رأيي الشخصي أن عملية التطبيع تركز على المصالح المشتركة، وتطوير التعاون الاقتصادي والسياحي على أعلى مستويات، وإلغاء التأشيرات بين الطرفين، وأعتقد أن تركيا ترحب بذلك، والتعاون في المجالات الأخرى التي تسهم بين البلدين هذا هو الجانب الأول.
ثم التوجه نحو التعاون العسكري والصناعات الدفاعية، بما يحقق مصالح البلدين، ثم الملفات الدولية والإقليمية بحيث يشكل تعاون بين قوتين إقليميتين كبيرتين وسوف يغير هذا المعادلة الدولية وسيقطع الطريق أمام محاولات التأسيس للفوضى في العديد من المناطق العربية والإفريقية وغيرها.
** لكن هذا يعني أن ملف الإخوان سيظل عالقا؟
التركيز على الملفات الكبرى السابق ذكرها أهم، وبالتالي ملف الإخوان والملفات الهامشية الأخرى ستحل بشكل متدرج حالما ينطلق القطار على سكة متينة.
** ما توقعاتك لنتائج الاجتماع التركي المصري المرتقب على مستوى مساعدي وزيري خارجية البلدين؟
أثق أن عراقة السياسة والدبلوماسية المصرية ستتجنب عملية الغوغاء الإعلامية وتهتم بالأهداف الاستراتيجية الكبيرة.
حماسي كبير لتحسين العلاقات لأنهما يشكلان الطرف الرئيسي والمحوري في حماية المنطقة من التحديات، وأيضا من حق الشعبين المصري والتركي أن تكون لهما شراكة كبيرة على المستويات المتعددة، وخاصة التنمية الاقتصادية من أجل رفاهية الشعبين، وستنعكس حتما بإيجابية على الشعوب.
** هل يتصالح النظام المصري مع الإخوان والمعارضين بالخارج؟
جماعة الإخوان والمعارضين هم أبناء مصر، وحتى إن اختلفوا مع النظام السياسي فمن حقهم التعبير عن رأيهم وربما العودة لبلدهم، وربما تتحقق مصالحة بين النظام المصري والتنظيمات الإخوانية، لإن السياسة متغيرة ومعايير اليوم ليست معايير الغد.