في الوقت الذي يشتد فيه الحرب الروسية على أوكرانيا، قد تجد بعض الدول العربية صعوبة في توفير الخبز، وذلك نظرا لكون روسيا وأوكرانيا أكبر موردي القمح إلى بلدانهم.
وفي حال عطلت إمدادات القمح للعالم العربي الذي يعتمد بشدة على الواردات لتوفير غذائه، جراء الحرب على أوكرانيا، من الممكن أن تؤدي الأزمة إلى تظاهرات جديدة وعدم استقرار في دول عدة، بحسب معهد الشرق الأوسط للأبحاث.
المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية أوكونجو إيويالا، حذرت أول أمس الجمعة، من تداعيات الغزو الروسي على أوكرانيا، أكبر المصادر الرئيسية للقمح، ما سيأثر على أسعار القمح والخبز في العديد من البلدان.
فيما أشارت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، إلى أن التأثير الاقتصادي للحرب سيتجاوز أوكرانيا.
وأكدت أن تداعيات العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على روسيا مع الآثار الاقتصادية للنزاع “ستؤدي بشكل أساسي إلى (ارتفاع) أسعار الطاقة فضلًا عن أسعار الحبوب، وذلك سيضاف إلى القلق المتزايد من التضخم وكيفية مواجهته”.
وكانت مديرة صندوق النقد الدولي، قد حذرت يوم الخميس من خطر اقتصادي كبير على المنطقة والعالم.
وفي أعقاب تحذيرها أوضحت وكالة رويترز، يوم الخميس الماضي، أن أسعار القمح ارتفعت لتبلغ أعلى مستوى منذ أكثر من 9 سنوات، بسب الأزمة الأوكرانية، ما أثار مخاوف من تأثر الإمدادات العالمية.
وتعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم والمستورد الثاني من روسيا، وقد اشترت 3.5 ملايين طن من القمح حتى منتصف يناير/ كانون الثاني، وفقًا لشركة “أس آند أس غلوبال”.
وحتى بعد أن بدأت القاهرة في السنوات الأخيرة شراء القمح من موردين آخرين، لا سيما من رومانيا، فقد استوردت عام 2021 نحو 50% من القمح من روسيا و30% من أوكرانيا.
وكانت الحكومة المصرية، قد أكدت أن لديها مخزونا استراتيجيا يكفي الدولة لمدة تقترب من الـ9 أشهر، وتكفي احتياجات 109 مليون نسمة، مشيرة إلى أن 70% منهم يتلقى 5 أرغفة خبز مدعومة يوميا.
لكنها قالت إنها لن تستطيع شراء القمح بالسعر الذي كانت تحصل عليه قبل الأزمة الروسية الأوكرانية، خصوصا بعد أن بلغت أسعار القمح إلى أعلى مستوياتها في شيكاغو منذ 14 عاما، حيث وصلت إلى 344 يورو للطن.
وكان رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، قد وجه نصيحة لوزير التموين المصري، عبر حسابه على تويتر، يوم الثلاثاء الماضي “قبل الحرب على أوكرانيا بيومين”، بسرعة شراء وتخزين القمح قبل اندلاع الحرب.
وبعد خفض وزن الرغيف المدعوم تفكر الحكومة الآن في زيادة سعره.
وكان الرئيس الأسبق محمد أنور السادات قد فعل ذلك في عام 1977، ما أسفر عن اندلاع “انتفاضة الخبز” التي استمرت حتى عاد السعر القديم.
والسودان الذي يعاني من تراجع في احتياطاته النقدية منذ توقف المساعدات الدولية ردًّا على إجراءات الجيش في أكتوبر/ تشرين الأول، قد يكون أبرز المتضررين من تداعيات الأزمة.
وعندما اندلعت الحرب على أوكرانيا، كان الرجل الثاني في السودان نائب رئيس مجلس السيادة بالسودان محمد حمدان دقلو “حميدتي”، في زيارة لموسكو من أجل البحث في المبادلات التجارية مع روسيا، أكبر مصدر للقمح في العالم.
ولم ينس الجنرالات المسيطرين على الحكم في السودان أن الرئيس السابق عمر البشير، الذي يعد واحدا منهم، سقط في 2019 بعد احتجاجات أشعلها ارتفاع سعر الخبز بثلاثة أضعاف، حيث يعاني آلاف المواطنين في السودان من الاصطفاف أوقاتًا طويلة أمام المخابز للحصول على الخبز.
وفي اليمن من المتوقع أن تلقي الأزمة الأوكرانية الروسية، بظلالها على البلد الذي يعاني معظم سكانه من الجوع، حيث تحول الخبز في اليمن الذي نخرته الحرب، إلى سلعة فاخرة بالنسبة لملايين اليمنيين.
ويقول المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي الموجود أيضا في اليمن ديفيد بيسلي “كنا نظن أننا وصلنا إلى القاع، لكن لا، الحال أسوأ نحن نحصل على نصف طلباتنا من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، سيكون لهذه الحرب تأثير مأساوي”.
في عام 2021 وحده، ارتفعت الأسعار في اليمن بنسبة 100% (مواقع إلكترونية)
أما في سوريا، فقد تسببت الحرب التي يشنها رئيس النظام بشار الأسد، في تجويع 12.4 مليون سوري، واشترت سوريا 1.5 مليون طن من القمح عام 2021 معظمها من موسكو، بعدما كان هذا البلد مكتفيا ذاتيا من القمح حتى عام 2011، بحسب برنامج الأغذية العالمي.
وتقول دمشق إنها تعمل الآن على توزيع المخزونات لاستخدامها على مدى شهرين.
وفي لبنان حيث أدى انهيار النظام المصرفي إلى إفقار 80% من السكان، وأدى انفجار مرفأ بيروت إلى تدمير صوامع القمح، فإن المخزون هناك أقل.
وقال وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام، أول أمس الجمعة إن احتياطيات لبنان من القمح تكفي لمدة شهر على الأكثر وإنه يسعى لعقد اتفاقات استيراد من دول مختلفة وسط مخاوف في السوق بسبب الأزمة الأوكرانية.
وأضاف سلام أن بلاده التي تستورد ما يقرب من 60% من احتياجاتها من القمح من أوكرانيا، تجري محادثات مع دول أخرى لاستيراد القمح بما في ذلك الولايات المتحدة والهند وفرنسا وبعض الدول الأوربية الأخرى.
وقال جريس برباري المدير العام للحبوب والشمندر السكري بوزارة الاقتصاد والتجارة إن شحنتي قمح إلى لبنان كانتا في مرحلة التحميل من أوكرانيا تأخرتا بسبب الحرب.
بينما المغرب الذي يعتبر القمح أساسيا لصناعة الخبز والكسكس، قررت الحكومة زيادة مخصصات دعم الطحين إلى 350 مليون يورو، وعلّقت الرسوم الجمركية على استيراد القمح.
وفي تونس رفضت البواخر في ديسمبر/ كانون الأول تفريغ حمولتها من القمح لعدم دفع ثمنها، وفق ما ذكرته وسائل إعلام بتونس، حيث يتزايد الدين مع ذوبان احتياطات العملات الأجنبية.
وتستورد تونس 60% من القمح من أوكرانيا وروسيا. وقالت الحكومة التونسية، أول أمس الجمعة، إنها أمنت مخزونا من القمح حتى يونيو/ حزيران المقبل.
ويبلغ معدل واردات البلاد من الحبوب ضعف الإنتاج المحلي، وأكثر من نصفها يأتي من روسيا وأوكرانيا.
وتحتل الجزائر المرتبة الثانية في استهلاك القمح بإفريقيا والخامسة في استيراد الحبوب بالعالم، ويوجد حسب مصادر حكومية مخزون يكفي 6 أشهر على الأقل.
وتعد روسيا أكبر مصدر للقمح في العالم، وبلغ إجمالي حصص روسيا وأوكرانيا من صادرات القمح العالمية 25% عام 2019، حيث كانت لروسيا حصة تقارب الـ18% من صادرات القمح العالمية في 2019، فيما برزت مصر مستوردا رئيسيا للقمح الروسي بقيمة بلغت 2.5 مليار دولار.
فيما زادت روسيا من صادراتها للقمح 8.5% عام 2021 مقارنة بسابقه، بقيمة 8.8 مليار دولار، كما أنها تخطط لزيادة استثماراتها في القطاع الزراعي خلال السنوات المقبلة بغرض التقليل من اعتماد ميزانيتها على صادرات الطاقة.
في المقابل، تعتبر أوكرانيا خامس أكبر مصدر للقمح في العالم، خاصة أنها كانت منتجا مهما للقمح لعدة قرون والمعروفة بـ”سلة الخبز” في أوروبا.
وبلغت قيمة صادرات أوكرانيا من القمح 3.1 مليار دولار في 2019، فيما استحوذت مصر على حصة الأسد منها بـ 22.2 بالمئة، وهو ما يعادل 685 مليون دولار من واردات القمح.
وبحسب معطيات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “فاو”، فإن حوالي 50 بالمئة من إجمالي القمح المستهلك في لبنان عام 2020، و22 بالمئة في اليمن، و43 بالمئة في ليبيا مستورد من أوكرانيا.
وتعتمد أوكرانيا على الطرق البرية لتصدير كميات قليلة من القمح إلى البلدان المجاورة، حيث تشحن كييف 95% من صادرات القمح إلى دول العالم عبر موانئها المطلة على البحر الأسود.
وتُعد منطقة البحر الأسود حيوية لتجارة القمح العالمية، حيث إن روسيا وأوكرانيا من أكبر المُصدّرين له في العالم.
وحذر خبراء في السياسة والزراعة، من أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا قد تمتد إلى البحر الأسود، وأن الاضطرابات التي قد تعصف بتجارة القمح في المنطقة، يمكن أن تتسبب في زيادة أسعاره العالمية بين 10 و20%.